فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم بين تعالى أن تدبيره في أهل القرى لا يجري على نمط واحد، وإنما يدبرهم بما يكون إلى الإيمان أقرب فقال: {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السيئة الحسنة} لأن ورود النعمة في البدن والمال بعد البأساء والضراء، يدعو إلى الانقياد والاشتغال بالشكر، ومعنى الحسنة والسيئة هاهنا الشدة والرخاء.
قال أهل اللغة: {السيئة} كل ما يسوء صاحبه، و{الحسنة} ما يستحسنه الطبع والعقل، والمعنى: أنه تعالى أخبر أنه يأخذ أهل المعاصي بالشدة تارة، وبالرخاء أخرى.
وقوله: {حتى عَفَواْ} قال الكسائي: يقال: قد عفا الشعر وغيره، إذا كثر، يعفو فهو عاف ومنه قوله تعالى: {حتى عَفَواْ} يعني كثروا ومنه ما ورد في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام، أمر أن تحف الشوارب، وتعفى اللحى يعني توفر وتكثر وقوله: {وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ ءابَاءَنَا الضراء والسراء} فالمعنى: أنهم متى نالهم شدة قالوا: ليس هذا بسبب ما نحن عليه من الدين والعمل وتلك عادة الدهر، ولم يكن ما مسنا من البأساء والضراء عقوبة من الله وهذه الحكاية تدل على أنهم لم ينتفعوا بما دبرهم الله عليه من رخاء بعد شدة، وأمن بعد خوف، بل عدلوا إلى أن هذه عادة الزمان في أهله، فمرة يحصل فيهم الشدة والنكد، ومرة يحصل لهم الرخاء والراحة، فبين تعالى أنه أزال عذرهم وأزاح علتهم، فلم ينقادوا ولم ينتفعوا بذلك الإمهال، وقوله: {فأخذناهم بَغْتَةً} والمعنى: أنهم لما تمردوا على التقديرين، أخذهم الله بغتة أينما كانوا، ليكون ذلك أعظم في الحسرة.
وقوله: {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} أي يرون العذاب والحكمة في حكاية هذا المعنى أن يحصل الاعتبار لمن سمع هذه القصة وعرفها. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السيئة الحسنة} يعني حولنا مكان الشدة الرخاء، ومكان الجدوبة الخصب، {حتى عَفَواْ} أي كثروا، واستغنوا، وكثرت أموالهم فلم يشكروا الله تعالى.
ويقال: حتى عفوا أي حتى سروا به {وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ ءابَاءنَا الضراء والسراء} أي مثل ما أصابنا مرة يكون الرخاء، ومرة يكون الشدة، {فَأَخَذَتْهُمُ بَغْتَةً} أي فجأة {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} يعني: أتاهم العذاب من حيث لم يعلموا به.
ويقال: إن الشدة للعامة تكون تنبيهًا وزجرًا.
والنعمة تكون استدراجًا وأما النعمة للخاصة فهي تنبيه، لأنه بعد ذلك عقوبة.
كما روي أن الله تعالى قال لموسى عليه السلام إذا رأيت الفقر مقبلًا إليك فقل مرحبًا بشعار الصالحين.
وإذا رأيت الغنى مقبلًا إليك فقل ذنب عجلت عقوبته. اهـ.

.قال الثعلبي:

{ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السيئة}.
وهي البأساء والجواب والجوع {الحسنة} يعني النعمة والسعة والرخاء والخصب {حتى عَفَوْاْ} أي كثروا وأثروا وكثرت أموالهم وأولادهم، قال ابن عباس: {عفوا} يعني جهدوا، وقال ابن زيد: يعني كثروا كما يكثر النبات والريش.
قال قتادة: {حتّى عفوا}: سروا بذلك، وقال مقاتل بن حيان: {عفوا} حتى كثروا وتركوا ولم يستكثروا وأصله من الكثرة.
وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى».
وقال الشاعر:
يقول من بعد أُولاك أولات ** أتوا زمانًا ليس عندهم بعيد

وقال آخر:
ولكنا نعض السيف منها ** بأسوق عافيات الشحم كوم

{وَّقَالُواْ} من جهلهم وغفلتهم {قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضراء والسراء} فنحن مثلنا فقال الله تعالى: {فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} [فجأة عِبرة لمن بعدهم]. {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بنزول العذاب {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى آمَنُواْ واتقوا} يعني وحدوا الله وأطاعوه {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السماء} يعني المطر {والأرض} يعني النبات، وأصل البركة المواضبة على الشيء تقول: برك فلان على فلان إذا أجابه، وبركات الأرض أي تابعنا عليهم بالمطر والنبات والخصب ورفعنا الحرث والقحط {ولكن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُمْ} فجعلنا لهم العقوبات {بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} من الكفر والمعصية والأعمال الخبيثة. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ}.
فيه وجهان:
أحدهما: مكان الشدة الرخاء، قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة، ومجاهد.
والثاني: مكان الخير والشر.
{حَتَّى عَفَواْ} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: حتى كثروا، قاله ابن عباس، ومجاهد، والسدي، قال لبيد:
وَأنَاسٌ بَعْدَ قَتْلٍ قَدْ عَفَواْ ** وَكَثِيرٌ زَالَ عَنْهُمْ فَانْتَقَلْ

والثاني: حتى أعرضواْ، قاله ابن بحر.
والثالث: حتى سُرّوا، قاله قتادة.
والرابع: حتى سمنوا، قاله الحسن، ومنه قول بشر بن أبي حازم:
فَلَمَّا أَنْ عَفَا وَأَصَابَ مَالًا ** تَسَمَّنَ مَعْرِضًا فِيهِ ازْوِرَارُ

{وَّقَالُوْا قَدْ مَسَّ ءَابَاءَنَا الضَّرَّاءُ والسَّرَّاءُ} أي الشدة والرخاء يعنون ليس البأساء والضراء عقوبة على تكذيبك وإنما هي عادة الله في خلقه أن بعد كل خصب جدبًا وبعد كل جدب خصبًا. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله عز وجل: {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ}.
ثم قال تعالى إنه بعد إنفاذ الحكم في الأولين بدل للخلق مكان السيئة وهي الحسنة السراء والنعمة، وهذا بحسب ما عند الناس، وإلا فقد يجيء الأمر كما قال الشاعر: [البسيط]
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ** ويبتلي الله بعض القوم بالنعم

قال القاضي أبو محمد: وهذا إنما يصح مع النظر إلى الدار الآخرة والجزاء فيها، والنعمة المطلقة هي التي لا عقوبة فيها: والبلوى المطلقة هي التي لا ثواب عليها، و{حتى عفوًا} معناه: حتى كثروا يقال عفا النبات والريش يعفو إذا كثر نباته، ومن هذا المعنى قول الشاعر: [الوافر]
ولكنها يعضُّ السيف منها ** بأسوق عافيات الشحم كوم

وعليه قوله صلى الله عليه وسلم: «أحفوا الشوارب واعفوا اللحى» وعفا أيضًا في اللغة بمعنى درس وبلى فقال بعض الناس هي من الألفاظ التي تسعتمل للضدين، أما قول زهير:
على آثار من ذهب العفاء

فيحتمل ثلاثة معانٍ الدعاء بالدرس، والإخبار به، والدعاء بنمو والنبات، كما يقال جادته الديم وسقته العهاد ولما بدل الله حالهم بالخير لطفًا بهم فنموا رأى الخلق بعد ذلك للكفر الذي هم فيه أن إصابة {الضراء والسراء} إنما هي بالاتفاق، وليست بقصد كما يخبر النبي، واعتقدوا أن ما أصابهم من ذلك إنما هو كالاتفاق الذي كان لآبائهم فجعلوه مثالًا، أي قد أصاب هذا آباءنا فلا ينبغي لنا أن ننكره، فأخبر الله تعالى أنه أخذ هذه الطوائف التي هذا معتقدها، وقوله: {بغتة} أي فجأة وأخذة أسف وبطشًا للشقاء السابق لهم في قديم علمه، و{السراء} السرور والحبرة، {وهم لا يشعرون} معناه وهم مكذبون بالعذاب لا يتحسسون لشيء منه ولا يستشعرونه باستذلال وغيره. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ثم بَدَّلنا مكان السيئةِ الحسنة}.
فيه قولان:
أحدهما: أن السيئة: الشدة؛ والحسنة: الرخاء، قاله ابن عباس.
والثاني: السيئة: الشر؛ والحسنة: الخير، قاله مجاهد.
قوله تعالى: {حتى عَفوا} قال ابن عباس: كثروا، وكثرت أموالهم.
{وقالوا قد مسّ آباءنا الضراء والسراء} فنحن مثلهم، يصيبنا ما أصابهم، يعني: أنهم أرادوا أن هذا دأب الدهر، وليس بعقوبة.
{فأخذناهم بغتة} أي: فجأة بنزول العذاب {وهم لا يشعرون} بنزوله، حتى أهلكهم الله. اهـ.

.قال القرطبي:

{ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السيئة الحسنة} أي أبدلناهم بالجدب خِصبًا.
{حتى عَفَوْاْ} أي كثروا؛ عن ابن عباس.
وقال ابن زيد: كثرت أموالهم وأولادهم.
وعفا: من الأضداد.
عفا: كثر.
وعفا: درس.
أعلم الله تعالى أنّه أخذهم بالشدّة والرخاء فلم يزدجِروا ولم يشكروا.
{وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضراء والسراء} فنحن مثلهم.
{فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} أي فجأة ليكون أكثر حسرة. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة}.
قال أهل اللغة: السيئة كل ما يسوء صاحبه والحسنة كل ما يستحسنه الطبع والعقل فالسيئة والحسنة هنا الشدة والرخاء.
والمعنى أنه تعالى بدل مكان البأساء والضراء النعمة والسعة والخصب والصحة في الأبدان فأخبر الله تعالى في هذه الآية أنه يأخذ أهل المعاصي والكفر تارة بالشدة وتارة بالرخاء على سبيل الاستدراج وهو قوله: {حتى عفوا} يعني أنه فعل ذلك بهم حتى كثروا وكثرت أموالهم.
يقال: عفا الشعر إذا كثر وطال.
قال مجاهد: حتى كثرت أموالهم وأولادهم {وقالوا} يعني من غرتهم وغفلتهم بعد ما صاروا إلى الرخاء والسعة {قد مس آباءنا الضراء والسراء} يعني أنهم قالوا هكذا عادة الدهر قديمًا وحديثًا لنا ولآبائنا ولم يكن ما مسنا من الشدة والضراء عقوبة لنا من الله تعالى على ما نحن عليه فكونواعلى ما أنتم عليه كما كان آباؤكم من قبل فإنهم لم يتركوا دينهم مما أصابهم من الضراء والسراء قال الله تعالى: {فأخذناهم بغتة} يعني أخذناهم فجأة آمن ما كانوا ليكون ذلك أعظم لحسرتهم {وهم لا يشعرون} يعني بنزول العذاب بهم والمراد بذكر هذه القصة اعتبار من سمعها لينزجر عما هو عليه من الذنوب. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ثم بدّلنا مكان السيئة الحسنة} أي مكان الحال السيئة من البأساء والضراء الحال الحسنة من السّرّاء والنعمة، قال ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة مكان الشدّة الرخاء، وقيل مكان الشرّ الخير ومكان و{الحسنة} مفعولًا بدل و{مكان} هو محل الباء أي بمكان السيئة وفي لفظ {مكان} إشعار بتمكن البأساء منهم كأنه صار للشدة عندهم مكان وأعرب بعضهم {مكان} ظرفًا أي في مكان.
{حتى عفوا} أي كثروا وتناسلوا، وقال مجاهد: كثرت أموالهم وأولادهم، وقال ابن بحر حتى أعرضوا من عفا عن ذنبه أي أعرض عنه، وقال الحسن: سمنوا، وقال قتادة سرّوا بكثرتهم وذلك استدراج منه لهم لأنه أخذهم بالشدة ليتعظوا ويزدجروا فلم يفعلوا ثم أخذهم بالرخاء ليشكروا.
{وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء} أبطرتهم النعمة وأشروا فقالوا هذه عادة الدّهر ضرّاء وسرّاء وقد أصاب آباءنا مثل ذلك لا بابتلاء وقصد بل ذلك بالاتفاق لا على ما تخبر الأنبياء جعلوا أسلافهم وما أصابهم مثلًا لهم ولما يصيبهم فلا ينبغي أن ننكر هذه العادة من أفعال الدهر.
{فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون} تقدّم الكلام على مثل هذه الآية لما أفسدوا على التقديرين أخذوا هذا الأخذ. اهـ.